عمّار محمد الرجوب -
لا بأس أن نتألم قليلاً، فالألم -وإن كان قاسيًا في جرحه- يحمل في طياته نورًا خفيًا يكشف لنا زوايا لم نكن ندركها، ويبعث فينا إشارات العودة نحو الذات، نحو تلك الحقيقة العميقة التي توارت خلف ضباب الرغبات والأوهام.
إن الألم، يا صاحبي، ليس عدوًا نتجنبه، بل قد يكون معلمًا يتقن فن التوجيه، يقودنا برفقٍ، أو ربما بقسوةٍ، إلى دروبٍ لم نكن لنسلكها بغير صرخاته. هو كالبوصلة الضائعة، التي تبدو قاسية في توجيهها، لكنها تحمل حكمة الخريطة بأسرها. ربما في لحظات الوجع والانكسار، نكتشف كم نحن ضعفاء أمام عواصف الحياة، فتتولد فينا قوة لم نكن ندركها، تنبت كجذورٍ في أعماق الروح، قادرة على التمدد رغم الصخر، على الصمود رغم العواصف.
وكما قال سقراط: "اعرف نفسك"، فإن الألم هو النافذة التي نطل منها على عوالمنا الداخلية. هو الذي يُجبرنا على أن نقف أمام مرايانا المتشققة، أن نواجه تلك الشقوق والانكسارات، لنعيد تشكيل أنفسنا من جديد، وكأننا نعيد بعث ذاتنا، قطعةً قطعة، ورؤيةً بعد رؤية.
فلا تخشى الألم، بل امنحه تلك الفرصة ليعيد صياغة دربك، لتتعلّم كيف تستبصر في زواياك الداخلية المظلمة، وتكتشف فيها ما كنت تجهله. وبهذا، يصير الألم صديقًا صادقًا، قد يدمي قلبك، لكنه يعلّمك كيف تحيا بعمق.
فلتكن متيقنًا، أنّ في كلّ ألمٍ حكمة، وفي كلّ جرحٍ درس، وأنّ انكسارات اليوم، هي التي تُنبت فيك بذور القوة والصبر، لتنهض كطائر الفينيق من رماد الألم، أكثر قوة، وأقرب إلى ذاتك الحقيقية.