أ.د هاني الضمور *-
في زمن تزدحم فيه التحديات والأزمات، تواجه الأمة مجموعة من الداءات التي تهدد استقرارها وتقدمها. تنقسم هذه الداءات إلى نوعين رئيسيين: الداءات الظاهرة والداءات المستترة. وبينما يعتقد البعض أن الأعداء الخارجيين هم الخطر الأكبر، فإن التجربة التاريخية والمعاصرة تُظهر أن الداءات المستترة قد تكون الأشد فتكاً وتأثيراً على المدى الطويل.
الداءات الظاهرة: عدو معروف وسهل المواجهة
تُعبر الداءات الظاهرة عن تلك المشاكل التي تكون واضحة ومباشرة، مثل العدوان الخارجي، والتهديدات الأمنية، والصراعات المسلحة. هذه الداءات يمكن تحديدها بسهولة وغالباً ما تتوحد الأمة في مواجهتها. وجود عدو خارجي ملموس يجعل من السهل تجنيد الجهود والموارد للدفاع والتصدي. فعندما يكون التهديد واضحاً، تتعزز الوحدة الوطنية ويتكاتف الجميع لمواجهته.
الداءات المستترة: تهديد داخلي خفي
أما الداءات المستترة، فهي تلك التي تنبع من داخل الأمة نفسها، مثل الفساد، والانقسامات الداخلية، والتبعية الفكرية والثقافية للغرب. هذه الداءات أكثر خطورة لأنها خفية وتؤثر على الهوية والثقافة والقيم الأساسية للمجتمع. يتسلل الفساد إلى مؤسسات الدولة، مما يؤدي إلى تآكل الثقة وتراجع الكفاءة. والانقسامات الداخلية تضعف النسيج الاجتماعي وتؤدي إلى تفكك الوحدة الوطنية.
المستغربون والمستشرقون: وجهان لعملة واحدة؟
في هذا السياق، يظهر دور المستغربين والمستشرقين بشكل جلي. فالمستغربون، الذين يتبنون العادات والتقاليد الغربية، قد يؤثرون على مناهج التعليم والثقافة العامة بطريقة غير ملحوظة. يعتقد البعض أن تأثيرهم أقل ضرراً من تأثير المستشرقين، الذين يدرسون الأمة بعينٍ خارجية ويسعون لفرض رؤى ونظريات قد لا تتناسب مع السياق المحلي.
لكن الحقيقة هي أن كلاهما يشكل تهديداً إذا لم يتم التعامل معه بحذر. المستغربون، بكونهم جزءاً من النسيج الاجتماعي، قد يكونون أكثر قدرة على تغيير الهوية من الداخل، بينما المستشرقون يقدمون تحديات تأتي من الخارج، وقد تُقابل بمقاومة أكبر.
الحل: وعي واستراتيجية شاملة
لمواجهة هذه الداءات، يجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة تعتمد على الوعي والتخطيط طويل الأمد. يجب تعزيز الهوية الوطنية والثقافة المحلية من خلال التعليم والإعلام، والاهتمام ببناء مؤسسات قوية وشفافة تستطيع مواجهة الفساد والانقسامات. كما يجب أن يكون هناك حوار مستمر بين مختلف فئات المجتمع لتعزيز الوحدة والتماسك.
في النهاية، الداءات الظاهرة والمستترة كلاهما يشكلان تحدياً كبيراً للأمة. التعامل مع هذه الداءات يتطلب وعياً جماعياً وجهوداً منسقة للتصدي للمشاكل الظاهرة والمستترة على حد سواء. تحقيق التوازن بين مواجهة التهديدات الخارجية وتعزيز الجبهة الداخلية هو السبيل الأمثل لضمان استقرار وتقدم الأمة في العصر الحديث.
* رئيس جامعة ال البيت سابقا