كتب : عمار محمد الرجوب -
في صباح هادئ، جلس رجل مسن على مقعد خشبي في حديقة صغيرة. كانت الأوراق المتساقطة حوله تهمس بحكايات خريف قديم، بينما كانت الشمس الدافئة ترسل أشعتها بلطف، كأنها تواسيه. نظر إلى كوب القهوة في يده، لم يكن كوبًا فاخرًا أو مكانًا مبهرًا، بل لحظة بسيطة. تلك التفاصيل الصغيرة كانت كل ما يحتاجه ليشعر أن الحياة ما زالت تفيض جمالًا، حتى في هدوءها العابر.
كان الرجل قد عاش سنوات عديدة، شهد فيها انتصارات وانكسارات، لحظات من الفرح العارم وأخرى من الحزن العميق. ولكنه في هذا الصباح، وسط أوراق الخريف وعبق القهوة، أدرك أن الحياة ليست في تلك اللحظات الكبيرة فقط. بل أن الحياة الحقيقية تكمن في التفاصيل الصغيرة التي نغفلها. تلك التي قد تبدو عابرة، لكنها تحمل في طياتها معنى أعمق من أي لحظة عابرة.
تذكر كيف كان يمر يومًا بجانب الشجرة نفسها قبل سنوات، دون أن ينتبه لجمال أوراقها المتناثرة أو صوت الرياح التي تتراقص بين أغصانها. كان يسعى وراء أهداف كبيرة، يريد أن يكون ناجحًا، غنيًا، مشهورًا. ولكن الآن، وهو يجلس هنا في سكينة، أدرك أن كل تلك الأحلام لم تكن سوى أجزاء صغيرة من لوحة أكبر، لوحة مليئة بتفاصيل غير مرئية.
ابتسم الرجل وهو يسترجع تفاصيل يومية كانت تمر دون أن يلاحظها. ابتسم لطفل كان يركض في الحديقة، لرائحة الخبز الطازج التي كانت تنبعث من مخبز قريب، لتغريد العصافير التي كانت تغني أغنية غير مفهومة لكنها رائعة. تلك التفاصيل البسيطة كانت في الحقيقة هي التي تستحق أن نعيش من أجلها.
الدرس الذي تعلمه اليوم كان بسيطًا: الحياة لا تنتظر اللحظات الكبيرة لكي تمنحنا معناها. إنها موجودة هنا، الآن، في أصغر الأشياء التي قد نعتبرها تافهة. كل لحظة هي فرصة لتذوق عمق الوجود، لتقدير النعمة في كل نفس نأخذه، وفي كل شعاع شمس يلامس بشرتنا.
نهض الرجل من مقعده، وبينما كان يمشي ببطء، شعر بخفة وسعادة لم يشعر بها منذ وقت طويل. أدرك أن الحياة، بكل صعوباتها وتحدياتها، تستحق أن تُعاش. ليس فقط للأهداف الكبيرة، بل لكل لحظة صغيرة، لكل تفصيل بسيط، ولكل إحساس يمر سريعًا في قلب هذه الرحلة العظيمة.