كتب: عمار محمد الرجوب -
في زاوية مظلمة من الغرفة، حيث تتراقص ظلال الأجساد على الجدران، كان الكأس الزجاجي يلمع في ضوء الشمعة الخافت. لحظات، ثم سقط الكأس، مُصدراً صوتاً رقيقاً كأنما يحاول الإفصاح عن سرّ لم يُكتشف بعد. نظر الجميع نحو الأرض، عيونهم مشدودة إلى الارتطام، ولكن لم يلحظ أحدٌ ما يكمن وراء هذه الحادثة البسيطة. لم يلحظ أحد رجفة يدي التي أطلقت الكأس من بين أصابعي، كأنها تعبر عن صراع داخلي، صراع بين الهدوء الظاهري والاضطراب العميق.
في تلك اللحظة، أدركت أن لكل شيء في الحياة دلالاته الخاصة. قد يظن البعض أن السقوط مجرد حدث عابر، لكن بالنسبة لي، كان تجسيداً لحقيقة مُرة. في كل مرة أسقط فيها شيئاً، كان يجسد شعوراً بالضعف، عجزاً عن السيطرة على ما أملك. لم يكن الكأس سوى رمز لتلك اللحظات التي نحاول فيها التظاهر بأننا متماسكين، بينما في العمق، تشتعل أدمغتنا بأسئلة لا تُجيب.
تأملاتي غاصت في عمق التجربة البشرية؛ كيف نعيش في عوالم متعددة، كيف نتظاهر بالاستقرار بينما تتأجج أرواحنا بالعواصف. كل من في الغرفة قد يستسلم للظواهر، ولكنه لا يدرك أن هناك أعمق مما يراه. هذه الكأس لم تسقط بمحض الصدفة، بل كانت صرخة صامتة تعكس كم من الأعباء نكبتها قلوبنا.
الرجفة في يدي كانت تعبيراً عن الخوف من فقدان السيطرة، الخوف من أن نُظهر عجزنا أمام العالم. لقد كنا جميعاً نبحث عن الأمان، عن تلك اللحظة التي نستطيع فيها أن نكون في سلام مع أنفسنا. وكما تكسرت شظايا الكأس، تكسر جزءٌ من كل واحد منا، مما يذكرنا بأن الكمال هو وهم، وأن الجمال يكمن في عدم الكمال.
ما أروع أن نتقبل هشاشتنا! أن نعي أن السقوط جزء من الرحلة. فلنتعلم من الكأس، ولنعانق عجزنا، فكلما تعلمنا أن نكون مع عواطفنا، كلما استطعنا أن نكون أقرب إلى إنسانيتنا. لذا، دعونا نتوقف للحظة ونتأمل في الكأس المكسور، ونفهم أن ما يهم ليس سقوطها، بل كيف ننهض بعد ذلك.